التجارب في الميدان
عائشه أحمد الجغيمان
عضو هيئة تدريس متخصصة في التسويق
- الاستثمار في تجربة العميل قد يعود عليك بضعف الإيرادات خلال ٣٦ شهر فقط.
- ٦٧٪ من العملاء يغادرون بسبب التجارب السيئة.
- لتصحيح الأثر السلبي لتجربة سيئة واحدة نحتاج لإرضاء العميل بـ ١٢ تجربة إيجابية.
لطالما كان الإطار التقليدي للتسويق ينظر للعميل كمتخذ قرار بشكل عقلاني يركز فيه على مزايا المنتج وما يمكن أن يحصل عليه منه. أما عند تُوجهنا للتسويق التجريبي Experiential marketing فإننا ننظر للعميل ككائن ذو مشاعر يبحث عن تجربة متكاملة ممتعة. بمعنى أن الاهتمام سابقاً كان منصباً على خدمة العملاء كعملية اتصال مفردة مع العميل أما عندما بدأ الاهتمام بتجربة العميل فأصبح التركيز منصباً على التأثير البعيد بمشاعر العميل وتشكيل رحلة متكاملة له مع العلامة.
تجربة العميل (Customer Experience) CX تصف مجمل تجربة العميل مع العلامة وما يشعر به تجاهها طوال رحلته التي تضم كل نقاط الاتصال والتفاعل بينهما. يقيم العميل تجربته بشكل تراكمي لمجموعة مستمرة من العمليات مثل التواصل مع المؤسسة والتخطيط للشراء وما يحصل عليه من عروض وعملية الشراء نفسها وما يحدث بعدها من استخدام للمنتج وخدمات الصيانة وغيرها…
قد يكون الاهتمام بتجربة العميل أكثر إقناعاً عند معرفة ما نشرته أميركان اكسبرس ببحثها، وهو أن ٦٠٪ من العملاء على استعداد لدفع مبلغ أعلى مقابل الحصول على تجربة أفضل. في الواقع، الأمثلة كثيرة وقد نجحت بعض الشركات في تنظيم حملات تسويقية قائمة على التجربة Experiential campaigns التي حققت من ورائها أهداف قوية. لين كوزين ( لين كوزين Lean Cuisine ) علامة تنتج وجبات جاهزة مجمدة متنوعة مثل ساندويشات العشاء والبيتزا، حيث تلتزم في صنعها بمعايير صحية خاصة. في عام ٢٠١٥، قامت الشركة بتنفيذ حملة تسويقية -#WeighThis- تضمنت الحملة التواجد بمحطة قطار جراند سنترال في مدينة نيويورك حيث عرضت عدد كبير من الموازين وفتحت للسيدات باب المشاركة بطريقة مختلفة. لم يكن الميزان للكشف عن الوزن كما هو معتاد بل كان لوحة صغيرة تسجل عليها السيدة “كيف تفضل أن يتم وزنها فعلاً؟ – How they wanted to be weighed” “.
وسط كل الإعلانات التجارية التي تملي يومياً على السيدات كيف يجب أن تظهر وماذا تلبس وما المساحيق التي تضعها، جاء هذا السؤال ليكون مساحة حقيقة تعبر من خلالها السيدات عن الكيفية التي ترغب أن تظهر بها والقيمة التي تقدمها. إحدى السيدات سجلت “عودتي للدراسة الجامعية بعمر ٥٥” والأخرى هي “العائل الوحيد لأربعة أطفال” وسيدة “تعتني بـ ٢٠٠ طفل مشرد”.
الجميل بالحملة أن المشاركات كانت طوعية وحققت تفاعلاً رائع دون وجود شخص يحمل استبيان أو عينات من منتجاتهم أو غيرها من الطرق التي أصبح العملاء يتهربون منها حتى وهم يشعرون بالملل فما بالك عند وجودهم بأكثر المناطق ازدحاماً كمحطات القطار والأسواق وغيرها. في مثل هذه الأماكن تكون المشتتات كثيرة جداً وكمية الرسائل الترويجية تجعل العميل يتعامى عن النظر إليها، لذلك فالنجاح بلفت انتباه العميل تحدي لا يستهان به.
حققت هذه الحملة تفاعلاً بمعنى الكلمة، التفاعل الذي لم يقف عند حدود تلقي الرسالة وإنما القيام بسلوك يراه عملاء آخرين ويتأثرون به للقيام بفعل مماثل. كذلك فإن الحملة لم تتعلق بأي من منتجات الشركة أو رسائلها حول منافع الأغذية الصحية؛ بل أن الرسالة كانت تستهدف أعمق من ذلك بكثير وهي مشاعرك حول تقدير ذاتك وإنجازاتك المهمة. لذا فالتسويق بالتجربة يمنحك الفرصة للتعبير عن القيم التي تتبناها العلامة وليس فقط ما تعرضه من منتجات.
لين كوزين أطلقت هاشتاق للحملة #WeighThis مما حقق عدد مشاهدات يفوق ٢٠٤ مليون على تويتر وهذا الاتصال يربط الحملة بشكل أوثق مع العلامة ويصنع مساحة للعملاء للتحدث عنها. أما فيديو الحملة الأساسي فقد حقق مشاهدات تفوق المليون على اليوتيوب كما استمرت لين كوزين في حملات تفاعلية على نطاق أوسع لتعزيز هذه التجربة.
كل هذا الحديث حول تجربة العميل يدعونا للاهتمام بالتسويق بالتجربة Experiential Marketing وأن نفهم المراحل التي يقضيها العميل معنا في رحلته قبل وأثناء وبعد الشراء، وكيف نصنع من هذه التجربة رحلة تتوافق مع أو تفوق تطلعاته. كل مرحلة تتضمن نقاط اتصال متنوعة مع العميل تتطلب استراتيجية تناسبها في التسويق وقد تتباين باختلاف المنتجات وتنوع فئات العملاء.
بحلول عام ٢٠٢٠ ستكون تجربة العميل المحور الأساسي في تمييز المؤسسات متفوقة على المنتج والسعر، ذلك كونها ميزة تنافسية صعبة الاستنساخ ويمكن إشباعها بروح العلامة وتوثيقها بعلاقة فريدة مع العميل.
ولأننا جميعاً مستهلكون فالرسالة الأخيرة هي لك أنت بثوب المستهلك. لا تغفل عن اقتطاع جزء من إنفاقك في الترفيه للاستمتاع بتجربة. فإن نتيجة بحث من جامعة ولاية سان فرانسيسكو تشير إلى أن التجارب التي نخوضها كالسفر أو استكشاف الطبيعة أو حتى الجلوس لدقائق في مقهى تمنحنا سعادة أكبر وأطول تأثيراً من السلع المادية التي نقتنيها.
لمشاهدة فيديو الحملة: https://www.youtube.com/watch?v=HGYUiLxoJFA&t=6s