
الفكرة غير مناسبة
محمد التميمي
ماجستير في إدارة العلامة التجارية والاتصال
في سنة 2016 عملت في شركة ديزل Diesel الإيطالية في مقرها الرئيسي شرق مدينة ميلانو، كنت وقتها للتو أنهيت دراسة الماجستير في إدارة العلامة التجارية والاتصال. كان الحماس يأخذني لعالم الأحلام في الإبداع والابتكار وقيادة التغيير. كانت ديزل وهي ماركة إيطالية مشهورة في قطاع الأزياء تقدم الماركة الفرعية الجديدة (ديزل ليفينج Diesel Living) وهي على غرار زارا هوم وأرماني كازا.
كان الهدف هو الوصول لماركة تكون أسلوب حياة متكاملاً من عيش وملبس. التحدي هو الاستمرار لأن تكون الماركة مستمرة في الارتباط بحياة الناس لعشرين سنة قادمة (Relevant)من خلال استهداف جيل الألفية (Millennials) وهم شريحة عمرية ولدت في الثمانينات وبداية التسعينات. كيف لـ ديزل أن يكون متصلاً بهذه الشريحة ومهماً في حياتهم و أن يكون للعلامة التجارية صورة ذهنية قوية (Positioning)، بحيث عندما يصل “المسُتهدف” لعمر يكون فيه قادراً على شراء ملابس غالية أو وقت شراء منزل العمر أن يكون ديزل هو الخيار.
تعلمت من هذه الماركة (ماركة هي كلمة إيطالية تعني علامة) أشياء كثيرة، أهمها أن خُطط إدارة العلامة التجارية تكون بعيدة المدى ولا تقتصر على تكتيكات التسويق الشهرية أو السنوية. فـأن تُصنع ماركة مثل فيراري مثلاً و هي حلم كثير من شباب العالم لاقتناء سيارتها فهي صناعة تسويقية لماركة بعيدة المدى لجعلها في مكانة ما في أذهان الناس و ربما تكون هذه المكانة حُلُماً (Positioned as a dream).
في ديزل، قدمت مقترحاً و فكرة لمنتج جديد بـ “براندنج” كامل من هوية و مظهر واسم (Diwan)، الفكرة كانت عبارة عن ديوانية (مجلس خارجي رفاهي) للشباب والبنات بطابع ديزل الصناعي والثوري. كنت متحمساً في إلقائي للعرض للمدير التنفيذي للشركة والطاقم الإبداعي والتسويقي. قدمت لهم الفكرة بصور و رسومات افتراضية (Sketches) للمنتج مع دراسة كاملة للأسواق العالمية استغرقت مني أكثر من تسعة أشهر للبحث في سلوكيات جيل الألفية في شعوب وثقافات من اليابان حتى البرازيل. كنت أتساءل في العرض عن سبب نجاح ثقافات شعوب في التسويق لمنتجات العيش للعالم، مثلاً السرير الياباني (Futon) والجلسات التايلندية والأواني المنزلية الصينية و حتى جلسات الأرض الهندية. كنت أؤمن أن الديوانية ثقافة شرقية وهي موجودة في المغرب والشام ومصر والخليج منذ زمن بعيد لم يحدث أن شركة سوقت لها سواء محلياً أو خارجيا. كذلك كنت أؤمن أن ديزل غير متصلة بـالجمهور الخليجي بسبب اختلاف ثقافتها عن ثقافة الإنسان العربي بشكل عام. كانت الفكرة بالنسبة لي “ضربة معلم” وكنت مهووساً بها لدرجة أنني اعتقدت أن المدير التنفيذي وهو ابن المالك والمؤسس (رينزو روسو) سيقوم من مكانه مصفقاً لي. لكن الذي حدث أنه قال لي بكل برود: محمد فكرتك رائعة (Fantastica) “و بتجيب فلوس”. ويكمل روسو حديثه لي:
سأطرح السؤال عليك…هل هذه الفكرة لو عرضتها على ماركة أُخرى، تستطيع تلك الماركة أن تطبقها هي وتنجح؟ قلت له نعم ممكن.
رد علي: إذاً غير مناسبة. ثم أعطاني درساً في البراندنج “يجب أن يكون المنتج الذي نطرحه في السوق يحمل طابع ديزل، ليس فقط في اللون والتصميم بل في قيمها”. أكمل روسو نقاشه معي “لما أشوف المنتج لازم أقول عنه هذا ديزل”. تماماً مثل فكرة لو أشوف شاب من بلدنا في الخارج ولابس لبس أجنبي أقول عنه “هذا سعودي” ولو ألمح “أجنبي” يلبس الثوب والشماغ أقول عنه ما قاله روسو “فكرة غير مناسبة”.
خلاصة الكلام أن الفكرة مهما كانت رائعة من المهم استشارة “الناس الفاهمة” و الحماس خصلة إيجابية ولكنها غير كافية بدون الخبرة. وأخيراً ليست كل فكرة جميلة حتى لو كانت ناجحة وتحقق مردوداً جيدا يعني حتمية تطبيقها، القيم أولاً ثم “البزنس”.